دوافع ظهور المدارس الدولية في مصر:
عرضنا في الجزء السابق التطور التاريخي للنظام التعليمي في مصر منذ عهد الكتاتيب حتى نشأة المدارس الدولية. ونحاول الآن التعرف على دوافع ظهور المدارس الدولية في مصر:
ولم يتوقف حدود تأثير المدارس الدولية على طلابها بل كانت لها تجليات على المجتمع المصري، واستطاعت أن تؤثر على مظاهر حياتنا اليومية ورؤيتنا لأنفسنا وللآخرين:
تعتمد المدارس الدولية في الترويج لنفسها على اتباع التقاليد الغربية الإيجابي منها والسلبي، وهو ما ينعكس على سلوك خريجيها خارج المدرسة:
كذلك الحرص على إقامة احتفالات التخرج التي تتضمن استعراضات أجنبية وطرق ترفيه لا تتفق مع الثقافة الإسلامية والعربية ولا يليق بالحدث العلمي.
ناهيك عن الأفكار التي تطرح في دروس اللغة الإنجليزية تحت إدعاء أنه مجرد نص أجنبي لتنمية اللغة ولا يتضمن أفكارا محددة ولكنه يحمل من المعاني ما يصطدم مع الإطار الأخلاقي والقيمي السائد في البلاد، فعلى سبيل المثال نجد في أحد دروس اللغة الإنجليزية بعنوان ما هي الأسرة؟ تقسيما للأسرة إلى خمس أنواع: النوع الأول أب وأم وأطفال، والنوع الثاني أب وأطفال، والنوع الثالث أم وأطفال، والنوع الرابع أم وأم وأطفال، والنوع الخامس أب وأب وأطفال، ليتكون لدى عقلية الطفل منذ الصغر أن هذا أمر طبيعي يمكن تقبله.
لا يمكن أن ننكر ما تتعرض له اللغة العربية من حرب شرسة ومحاولات مستمرة لطمسها على كافة المستويات، فمن منا لا ينبهر بطفل في السابعة من عمره قادر على التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة على حساب لغته الأم (العربية)، ومن منا لا يرى العديد من النصوص العربية المكتوبة على صفحات التواصل الإجتماعي بحروف لاتينية (موضة الفرانكو)، ولم يعد محل استغراب أن تحضر إحدى الفاعليات الثقافية أو الفنية أو غيرها لتجد المتحدث عربي والمستمع عربي ولغة التواصل هي الإنجليزية، وهذه الإعلانات التي تطل علينا في كل مكان والمكتوبة باللغة الإنجليزية كأن من لا يتقن هذه اللغة غير مخاطب بهذه الإعلانات رغم أنها في بلده العربية، أضف إلى ذلك معرفتنا عن غير قصد لبعض المصطلحات باللغة الإنجليزية دون نظيرتها العربية، وغيرها من الأمثلة التي تشهد بتراجع استخدام اللغة العربية في حياتنا اليومية.
فأصبح التحدث باللغة الإنجليزية يضيف لنا وجاهة اجتماعية، على اعتبار أن متحدثي اللغة الإنجليزية من الطبقات العليا المحتكين بالثقافة الغربية، وتمكنت المدارس الدولية من غرس هذه الثقافة وتعميقها في نفوس الشباب، فلم يتوقف فيروس تعلم اللغة الإنجليزية عند خريجي التعليم الدولي فقط، بل امتد في ظل متطلبات سوق العمل إلى الطبقات الوسطى التي تنفق الكثير حتى يجيد أبناؤها اللغة الإنجليزية، فانتشرت مراكز تعليم اللغة الإنجليزية بكثافة في مصر.
استطاعت المدارس الدولية أن تؤصل للتمايز الطبقي وتخلق تشوهات اجتماعية من ناحيتين:
تنوع النظم التعليمية ما بين محلي ودولي أدى إلى ضعف تماسك أفراد المجتمع الواحد وتفكك النسيج المجتمعي كما سبق ووضحنا، بالإضافة لشعور الأجيال المنتمية للمدارس الدولية بالغربة داخل مجتمعهم، فهم غير قادرين على الإنتماء للحضارة الغربية التي يشربوها في نظامهم التعليمي وفي الوقت نفسه غير قادرين على الإندماج داخل المجتمع الذي عاشوا فيه واستيعاب ثقافته العربية والإسلامية مما يخلق لديهم شعور قوي بالاغتراب.
وتأصل الشعور بالاغتراب لدى خريجي المدارس الدولية، ويرجع ذلك إلى غياب تدريس المواد القومية داخل المدارس الدولية فحتى ولو قاموا بتدريسها فهى ليس لها الأولوية، فغياب المواد القومية من لغة وتاريخ ودين وجغرافيا وتربية وطنية يؤثر على تشكيل الشخصية المصرية.
وينبثق عما سبق أبعاد مختلفة:
ختاماً، استطاعت المدارس الدولية أن تفرض المعايير التي تحكم جودة التعليم لدرجة جعلت الحكومة تدخل في شراكات مع دول أجنبية من أجل إنشاء المزيد من المدارس ــــــ المدارس اليابانية ــــــــ وإيماناً منها بأن ذلك سوف يحسن العملية التعليمية ويدفعها للأمام، فلابد أن لا ننصاع إليها بل نحجم تمددها وتغلغلها في المجتمع المصري بمجموعة من السياسات حتى لا تتجاوز الخصوصية الثقافية والحضارية للدولة الحاضنة لها، وتفادي النظرة الدونية للغة والثقافة العربية.
وفي الوقت نفسه لا يمكننا ــــــ على الرغم مما وضحناه من مساوئ وخروقات وتأثيرات سلبية للمدارس الدولية ــــــ أن ننكر جودة خريجي المدارس الدولية مقارنة بخريجي المدارس الأخرى حتى لا نطلق أحكام في الهواء ليس لها أساس من الصحة ومبالغ فيها، ولكن لا ينفي ذلك أهمية دور الأسرة والتربية في تحسين سلوكيات الناشئة من خلال الاهتمام بالدروس الدينية وأن لا يكون هناك تساهل في الاستجابة لكل ما تقدمه هذه المدارس من أنشطة وسلوكيات منافية لعاداتنا وتقاليدنا.
تحاول الدولة جاهدة في الوقت الحالي تطوير التعليم الحكومي، فيسعى الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم إلى رفع مستوى المحتوى التعليمي من خلال تعديل المناهج وأنظمة الامتحانات واقامة عدد لا بأس به من الدورات التدريبية للمدرسين لتطوير الأداء.