مسيرة التعليم في مصر (4)
بعد ثورة يوليو 1952:
جمال عبد الناصر (1953-1970م)
أولت الدولة اهتماماً كبيراً بالتعليم الحكومي وبدأت تمارس التضييق على التعليم الخاص طوال فترة الخمسينات والستينات، فصدر قرار بتأميم بعض المدارس الأجنبية في مصر عام 1958، كما ألزم بعض المدارس الأجنبية الأخرى التي لم تأمم بأن يتولى إدارتها مصريين، وتوسعت الدولة في إنشاء المدارس الحكومية وأصبح التعليم ما بعد الإلزامي (الجامعي) بالمجان ومضاعفة الميزانية الحكومية المخصصة للتعليم.
اتخذت الحكومة في 1953 العديد من القرارات فيما يخص التعليم، كان منها إلغاء كافة المدارس الأولية ـــــ الكتاتيب التي سبق وأن أشرنا إليها ـــــ وإلغاء التدريس باللغة الإنجليزية من المرحلة الإبتدائية مع التركيز على تدريس باللغة العربية، ومد المرحلة الابتدائية من أربع سنوات إلى ست سنوات نظراً لعدم كفايتهم لتدريس القراءة والكتابة والحساب والدين وحتى تتسع مدارك الطالب، تقسيم المرحلة الثانوية لقسمين المرحلة الإعدادية ومدتها ثلاث سنوات يبدأ فيها تدريس اللغة الإنجليزية والمرحلة الثانوية ومدتها ثلاث سنوات تنتهي بامتحان عام مركزي.
وفي الحقيقة أتاحت ثورة يوليو للفقراء فرصة للالتحاق بالمدارس خاصة في ظل مضاعفة ميزانية التعليم فازدادت أعداد الطلاب، ولكن في الوقت ذاته بالنظر إلى القرارات التي اتخذت بعد الثورة نجد أنها قرارات إجرائية ــــــ لا تتعدى إنشاء مدارس وجامعات وتقسيم المراحل الدراسية ــــــ ولكن ظلت غالبية المناهج الدراسية التي وضعتها سلطات الاحتلال وخبراء التعليم الإنجليزي كما هي مع بعض التغييرات الطفيفة التي لا تمس المضمون، كما ظلت المناهج الدراسية دون تطوير وإن كان هناك أي محاولات للتطوير كانت استناداً للنموذج الغربي.
أنور السادات (1970-1981م)
بعد حرب أكتوبر تبنى السادات الفكر الرأسمالي وسياسات الانفتاح الاقتصادي التي طالت كافة المجالات، فكان لقوانين الاستثمار التي أطلقتها الحكومة حينها دور مهم في تشجيع الاستثمار في التعليم، فاندفع رجال الأعمال للاستثمار في التعليم، وتم افتتاح العديد من المدارس التي تدرس نفس مناهج التعليم الحكومي لكن بمصروفات (المدارس الخاصة) نظير ما تقدمه للطالب من خدمات ترفيهية وقلة أعداد الطلاب بالفصل بعد أن ظهرت مشكلة تكدس الطلاب بالمدارس بشكل مبالغ. كما قام رجال الأعمال بافتتاح عدد من المدارس تدرس كافة المواد باللغة الإنجليزية بمصروفات مرتفعة إلى حد ما (مدارس اللغات).
كما اتخذت الدولة في منتصف السبعينات قرارا بإنشاء مدارس حكومية بمصروفات (المدارس التجريبية) لتقديم تعليماً باللغات الأجنبية لخدمة الطبقة الوسطى التي لا تستطيع إدخال أبنائها المدارس الأجنبية، وبذلك يتم إيجاد جيلا مؤهلا لسوق العمل يجيد اللغات الأجنبية للتعامل مع الشركات الدولية التي دخلت الأسواق المصرية في ذلك الوقت.
إذن فقد أصبحت الصورة التعليمية في مصر في نهاية عهد السادات تنقسم إلى مدارس حكومية ومدارس تجريبية وأخرى خاصة وأخيرا مدارس اللغات.
حسني مبارك (1981-2011م)
مع بداية التسعينات ازداد الطلب على مدارس اللغات لتصبح عاجزة عن استيعاب الأعداد الضخمة من الراغبين في الالتحاق بها، ففتحت الأبواب على مصراعيها لإنشاء المزيد من مدارس اللغات، وساعد على ذلك مساهمة عدد من رجال الأعمال في إنشاء هذه المدارس.
وبحلول العقد الأول من الألفية الجديدة ظهر نوع آخر من التعليم وهو التعليم الدولي الخاص فتم افتتاح أول مدرسة دولية في مصر في ديسمبر 2002 لتدريس المنهج الكندي بموجب قرار صدر من رئيس الوزراء عاطف عبيد في ذلك الوقت، أرجع البعض ظهور هذا النوع من التعليم إلى ظهور طبقة شديدة الثراء ترغب في مواكبة الغرب المتقدم.
توالى إنشاء هذه المدارس الدولية المختلفة، الأمريكية والفرنسية والألمانية والبريطانية والكندية، وأصبح من النادر أن نجد دولة كبرى ليس لها مدرسة فى مصر وشهادة تعليمية خاصة بها، والتحق أبناء الطبقة الأكثر ثراءاً بالتعليم الدولي، ليظهر نوع من التمايز الطبقي في التعليم ويصبح لدينا مدارس ومناهج متعددة، تعليم لأبناء الطبقة الدنيا متمثل في التعليم الحكومي، وتعليم للطبقة المتوسطة وهو التعليم الخاص، وتعليم لطبقة الأثرياء والمتمثل في المدارس الدولية.
وقد كان ذلك دافع للعديد من مدارس اللغات الموجودة في هذا الوقت إلى مواكبة الطفرة التعليمية من خلال إنشاء قسم للتعليم الدولي (الإنترناشونال) يلحق بها، ويطلق على قسم تعليم اللغات (الناشونال)، ولا يخفي على أحد مدى التفرقة بين القسمين داخل المدرسة الواحدة بداية من المصروفات المدرسية والفصول الدراسية والأنشطة والرحلات المقدمة لكلا منهما بجانب اختلاف كلا القسمين في المحتوى التعليمي المقدم والمدرسين، وهذا بالطبع يحمل العديد من التأثيرات والدلالات.
لم يتوقف الأمر على ذلك، بل سعت الحكومة إلى مواكبة طفرة التعليم الدولي، فقامت بتأسيس مدارس النيل المصرية في 2010 بمساهمة صناديق تمويل حكومية لتقديم شهادة تعليمية مصرية مصممة وفق المعايير الدولية والعالمية وبنظام امتحانات يتبع لجامعة كامبريدج البريطانية تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، بهدف خدمة الطبقة المتوسطة التي لا تستطيع أن تلحق أبنائها بالمدارس الدولية نظرا لارتفاع مصروفاتها.
وفي 2010 قام الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم السابق بوقف تراخيص المدارس الدولية حتى تلتزم بأداء تحية العلم والنشيد الوطني وأن تضم في مناهجها اللغة العربية والدين والتربية القومية، وتخضع لمراقبة ومتابعة الدولة في سير العملية التعليمية.
يتضح من ذلك أننا أصبحنا أمام نظم تعليمية وافدة تدرس مناهج أجنبية مختلفة حسب الدولة التابعة لها المدرسة، وازداد الإقبال عليها في محاولة من جانب أولياء الأمور تقديم مستوى تعليمي راق لأولادهم، وفي الوقت ذاته اكتسب التعليم الحكومي والخاص سمعة سيئة وصدرت التقارير المختلفة التي تؤكد عدم صلاحية المناهج التعليمية المصرية والمدارس الحكومية لتقديم خدمة تعليمية جيدة.